أخبار الأمم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أخبار الأمم

منتدى أخبار الأمم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
medo




المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 09/06/2008
العمر : 37
الموقع : www.7areef.net

المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي Empty
مُساهمةموضوع: المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي   المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي I_icon_minitimeالأحد يونيو 22, 2008 2:17 pm


لا أظن أحدًا من المؤرخين العرب المسلمين نجح في تقديم صور تنبض بالحياة عن المجتمع الصليبي في بلاد الشام, مثل الأمير العربي أسامة بن مُنْقذ (488-584هـ/1095-1188م).

مع أن أسامة لم يكن مؤرخا محترفا, وإنما كان فارسا وأديبا وشاعرا وسياسيا, فإنه قدَّم مادة علمية عن حياة الصليبيين, في مذكراته, التي تضمنها كتابه (الاعتبار), تفوق في أهميتها ما نعثر عليه في كتابات المؤرخين والرحَّالة المعاصرين. حقيقة لقد شهد عصر الحروب الصليبية عددا كبيرا من المؤرخين العرب المسلمين العظام أمثال: ابن القلانسي (ت555هـ/1159م), وابن الأثير (ت630هـ/1232م), وابن شداد (632هـ/1234م), إلا أن الاهتمام الأول لهؤلاء لم يكن المجتمع الصليبي, بعاداته وتقاليده وثقافته, وإنما كان تدوين الوقائع الحربية والسياسية التي دارت بين المسلمين والصليبيين. ويستهدف هذا المقال التعرف على بعض ملامح المجتمع الصليبي في بلاد الشام في ضوء الوقائع التي دونها الأمير أسامة في مذكراته. ولكن بادئ ذي بدء ينبغي علينا أن نتعرف على أسامة وأسرته ومكانته في عصره لارتباط ذلك كله بمذكراته وقيمتها العلمية.

بنو منقذ في شيزر

بنو منقذ أسرة عربية أصيلة, وتعود بنسبها إلى قبيلة كنانة القحطانية التي كانت تسكن حول مكة قبل الإسلام. وقد نبغ منها, في التاريخ الإسلامي, عدد من الفرسان, في الحرب والسياسة واللغة أمثال الصحابي الجليل: أبو ذر الغفاري, وواضع النحو المشهور: أبو الأسود الدؤلي, وأمير خراسان في العصر الأموي: نصر بن سيَّار, وغيرهم. وانتشر بنو منقذ, بعد الفتوحات العربية, في المشرق العربي, وكانت قد سكنت جماعة منهم في مستهل القرن الحادي عشر الميلادي (الخامس الهجري), بجوار بلدة شيزر التي تقعُ على مرتفع صخري, على الضفة الغربية لنهر العاصي, إلى الشمال من مدينة حماة. ويُعدّعلي بن منقذ الكناني -جد أسامة- هو المؤسس الحقيقي لإمارة بني منقذ, حيث استرد شيزر من الروم (البيزنطيين) عام 474هـ/1081م,وجعلها مقرا للإمارة التي ظلت قائمة حتى عام 552هـ/1157م. وعند وفاة علي بن منقذ خلفه ابنه نصر بن علي. وبعد وفاة الأخير عام 492/1098م تولى الإمارة أخوه مرشد بن علي, والد أسامة. ولكن سرعان ما تنازل مرشد عن الإمارة طواعية لأخيه الأصغر سلطان بن علي, لأنه كان قد شغف بتلاوة القرآن ونسخه والجهاد والصيد أكثر مما شغف بالسياسة.

سيرة أسامة: ولد أسامة بن مُنْقذ في قلعة شيزر عام 488هـ/1095م/ وهو ابن الأمير مرشد. وقد تربى على تقاليد الفروسية ومثلها. كما درس العلوم الدينية والآداب واللغة. وبذلك شبَّ وقد جمع في شخصه, بكل جدارة, إمارة السيف والقلم. وكان من المتوقع أن يتولى أسامة الإمارة بعد عمه سلطان إلا أن الأخير آثر أولاده, الذين أنجبهم بعد أن تقدمت به السن, علي ابن أخيه, بل كان يخشى عليهم منه لما يتمتع به من فروسية وثقافة وأدب. ولهذا فعندما توفي سلطان عام 549هـ/1154م خلفه ابنه محمد, الذي يُعدّآخر أمراء شيزر من بني منقذ.

وعلى الرغم من أن أسامة بن منقذ لم يتول إمارة شيزر رسميا, فإن ذلك لم ينتقص من مكانته. فقد ذاع صيته في أرجاء الشام والعراق ومصر; أميرا وفارسا ومجاهدا وأديبا وشاعرا, وحظي باحترام الملوك والأمراء المعاصرين, العرب منهم والإفرنج (الصليبيين).وكان أسامة قد غادر شيزر للمرة الأولى عام 529هـ/1135م إلى الموصل, حيث انضم إلى أميرها عماد الدين زنكي في حروبه ضد الصليبيين. ومن ثم عاد إلى شيزر للدفاع عنها ضد إمبراطور الروم يوحنا كومنين, الذي هاجمها عام 532هـ/1138م. وقد توقع أسامة من عمه سلطان أن يُعيدَ النظر في مسألة وراثة الإمارة, نتيجة لما أظهره من بطولات خارقة في الدفاع عنها, ولكن خاب ظنه فقد ازداد شعور عمه بخطره على مستقبل أولاده فأمره بالرحيل عن شيزر مع أهله وأخوته,ولا سيما أن والده مرشد كان قد توفى قبل ذلك بعام واحد (531هـ/1137م). وبالفعل غادر أسامة مع أهله شيزر; ليعيش في المنفى حتى وفاته. فقد اتجه,بداية, إلى دمشق, حيث عاش فيها نحو سبع سنوات (532-539هـ/ 1138-1144م) معززا مكرما من قبل ملوكها البوريين ووزيرها معين الدين أنر. ثم انتقل من دمشق إلى القاهرة, حيث عاش فيها نحو عشر سنوات (539-549هـ/1144-1154م), وكان خلالها موضع احترام وتقدير الخلفاء الفاطميين ووزرائهم وكبار رجال دولتهم. إلا أن فترة إقامته في مصر كانت, كما يقول أسامة نفسه, من أسوأ أيام حياته لما شهده في البلاط الفاطمي من فتن ودسائس واغتيالات, بحيث فاقت المكائد والمؤامرات التي سبق له أن عانى منها في بلده شيزر وفي بلاط البوريين في دمشق. ثم عاد أسامة إلى دمشق ثانية بدعوة من الملك نور الدين محمود بن زنكي, وعاش فيها هذه المرة عشر سنوات (549-558هـ/1154-1164م), جاهد خلالها في صفوف القوات النورية ضد الصليبيين. وفي هذه الفترة حدث ما لم يكن في الحسبان, حيث كان يحتفل آل منقذ في إحدى ليالي عام 552هـ/1157م بختان أحد أولاد أميرها محمد بن سلطان, إذ بزلزال يدمر معظم مدن سورية الوسطى, بما فيها قلعة شيزر. وبذلك قضى على بني منقذ جميعا باستثناء زوجة الأمير محمد التي انتشلت من تحت الأنقاض. ولم يبق من هذه الأسرة الكبيرة سوى أسامة وأهل بيته وأخوته الذين كانوا يعيشون في المنفى. ولكن إذا كان أسامة قد أُنقذ من الموت فإنه لم ينج من الأسى والحزن. بل وضع كتابا تحت عنوان (المنازل والديار) جمع فيه ما قاله الشعراء السابقون, الذين بكوا ديارهم وأطلالها ومنازلها ورسومها, كما ضمنه ما قاله أسامة نفسه من قصائد في ذكرى أهله وأقاربه. ثم انتقل أسامة من دمشق إلى حصن كَيّفا في الجزيرة الفراتية, حيث عاش فيه أكثر من أحد عشر عاما (558-570هـ/1164-1174م) معززا مكرما من صاحبه الأمير فخر الدين أرسلان. ومن ثم عاد أسامة إلى دمشق للمرة الثالثة والأخيرة بدعوة من السلطان صلاح الدين الأيوبي. وظل موضع احترام وتقدير رجال الدولة الأيوبية وأهل دمشق جميعا حتى وفاته عام 584هـ/1188م وقد بلغ السادسة والتسعين من عمره, ودفن في سفح جبل قاسيون.

وينبغي علينا, ونحن نوجز سيرة أسامة بن منقذ, أن نشير إلى أمرين أساسيين.الأمر الأول هو أن أسامة اضطلع, خلال حياته, بمهمات سياسية وحربية بالغة الأهمية. فخلال وجوده في دمشق بعثه الملوك البوريون ووزيرهم معين الدين أنر سفيرا إلى بلاط الصليبيين, كما عهد إليه الفاطميون, خلال إقامته في مصر, بالتفاوض مع نور الدين لتنسيق التعاون بينهم وبينه ضد الصليبيين. وفضلا عن ذلك كله فقد قاد أسامة بنفسه حملة ضد الصليبيين دفاعا عن عسقلان.أما الأمر الثاني فهو أن الفترة التي أمضاها أسامة في حصن كَيّفا كانت من أخصب فترات حياته من الناحية الفكرية, حيث وضع خلالها عددا كبيرا من الكتب; ومنها كتاب (الاعتبار), الذي كان الهدف منه أن يأخذ الناس العبرة مما مرَّ في حياته من أحداث وتجارب, بحلوها ومرها.

إن ما يهمنا من كتاب (الاعتبار) هو ما اشتمل عليه من مادة علمية تتعلق بالمجتمع الصليبي في بلاد الشام. وينبغي أن نقرر -بداية-أن هذه المادة تكتسب أهمية خاصة لأن أسامة لم ينقلها من بطون المصادر والمراجع, وإنما استقاها من شهود عيان. فالكثير من الوقائع كان الأمير أسامة نفسه شاهد عيان عليها,أو طرفا فيها, وبعضها سمعها مباشرة من والده وأعمامه, الذين كانوا بدورهم شهود عيان عليها, وبعضها الآخر سمعه من الملوك والأمراء, المسلمين والصليبيين, الذين اتصل بهم. ومادام أسامة كان قد عاش نحو ست وتسعين سنة, فهو شاهد عيان, بشكل أو بآخر, على معظم الأحداث التي جرت في المشرق العربي في القرن الثاني عشر للميلاد (السادس للهجرة). كما تكتسب هذه المادة العلمية أهمية فائقة نتيجة لتنوعها وشموليتها, هذا فضلا عما تميز به أسامة نفسه من موضوعية ونزاهة في كل ما دونه من وقائع وأحداث. ولا غرو, بعد هذا كله, من أن نجد المؤرخين الغربيين أنفسهم يعتمدون اعتمادا رئيسا على هذا الكتاب في دراساتهم للمجتمع الصليبي في عصر أسامة بن منقذ.

الطب عند الصليبيين

إن أول ما يلفت نظر القارئ لكتاب (الاعتبار) ما ورد فيه من معلومات ووقائع عن الانحطاط العلمي في المجتمع الصليبي آنذاك, فيورد أسامة _مثلا _ بعض الوقائع التي تكشف بوضوح سذاجة الطب عند الصليبيين وامتزاج المعارف الطبية بالخرافات والأساطير. فيروي واقعة, نقلا عن عمه الأمير سلطان, مفادها أن حاكم المنيطرة الصليبي,وهي بلدة تقع شمالي لبنان, كتب إلى عمه يطلب منه أن يبعث له طبيبا عربيا ليداوي بعض المرضى, فأرسل الأمير إليه طبيبا عربيا نصرانيا يقال له ثابت. ولكن لم تمض عشرة أيام حتى عاد ثابت إلى شيزر. وعندما سأله بنو منقذ عن السبب في عودته بهذه السرعة قال إن الصليبيين في المنيطرة (أحضروا عندي فارسا قد طلعت في رجْله دمّلة وامرأة قد لحقها نشاف. فعملت للفارس لُبيخة ففتحت الدمّلة وصلحت. وحميت المرأة (أي منعها عن بعض الطعام) ورطبت مزاجها. فجاءهم طبيب إفرنجي (صليبي) فقال لهم هذا (أي الطبيب العربي) لا يعرف) شيئا في الطب والمداواة. ثم قال الطبيب (الصليبي) للفارس الصليبي المريض (أيما أحب إليك أن: تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين? قال (أعيش برجل واحدة) فقال الطبيب (أحضروا لي فارسا قويا وفأسا قاطعا) فحضر الفارس والفأس, وأنا حاضر (أي الطبيب العربي) فحط ساقه على قُرمة خشب وقال للفارس: اضرب رجله بالفأس ضربة واحدة اقطعها. فضربه, وأنا أراه, ضربة واحدة ما انقطعت, ضرب ضربة ثانية فسال مخ الساق, ومات (أي المريض) من ساعته). ثم أخذ الطبيب الصليبي في معالجة المرأة الصليبية وقال (هذه المرأة في رأسها شيطان قد عشقها, احلقوا شعرها فحلقوه.وعادت تأكل من مأكلهم الثوم والخردل. فزاد بها النُّشاف, فقال الطبيب الصليبي (الشيطان قد دخل في رأسها, فأخذ الموس وشق رأسها صليبا وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح فماتت المرأة في وقتها. فقال الطبيب العربي للصليبيين (هل بقي لكم إليّ حاجة? قالوا:لا. فجئت وقد تعلمت من طبهم ما لم أكن أعرفه!). كما يروي الأمير أسامة واقعة أخرى تكشف عجيب طب الصليبيين سمعها من أمير طبرية الصليبي; مفادها أن فارسا صليبيا كان قد مرض وأشرف على الموت, فأحضروا قسا كبيرا من قساوستهم لعلاجه إيمانا منهم أنه إذا وضع يده عليه فسيشفى في الحال. ولكن ما حدث هو أنه عندما رأى القس الفارس المريض قال لأهله. أعطوني شمعا. فأُحضر الشمع, فليّنه القس وصنع منه ما يشبه الكرات ووضعها في أنف الفارس, فمات في الحال. فلما قال أهل المريض للقس إن مريضهم قد مات قال لهم: نعم. فقد كان يتعذب فسددت أنفه حتى يموت ويستريح!

الصليبيون ينكثون العهود

كما بيّن أسامة, بالوقائع, أن المجتمع الصليبي في بلاد الشام كان يعاني انحطاطا أخلاقيا واضحا. فيذكر أن الصليبيين لا يحترمون وعدا ولا يلتزمون بعهد, فهم ينكثون ويحنثون ويغدرون وفقا لمصالحهم. فيروي, في هذا الصدد, واقعة تكشف غدر الملك الصليبي بلدوين الثالث بأسرته وأهله, ومفادها أنه عندما قرر أسامة الإقامة في دمشق أيام نور الدين زنكي, كانت أسرته لاتزال في مصر, ولكي تصل هذه الأسرة من القاهرة إلى دمشق بسلام لابد من الحصول على الأمان من الصليبيين. وبالفعل حصل نور الدين من الملك الصليبي المذكور على الأمان المطلوب خطيا, وأُرسل إلى مصر لكي يكون وثيقة بيد الأسرة أثناء عبورها أراضي المملكة الصليبية. وبالفعل أقلعت السفينة التي تحمل أسرة أسامة, من ميناء دمياط المصري إلى ميناء عكا الصليبي, وكان عددها خمسين نسمة. ولكن ما كادت تصل السفينة إلى ميناء عكا حتى تعرض أهل أسامة, بأمر من الملك الصليبي نفسه, إلى السلب والنهب على يد رجاله, حيث انتزعوا منهم كل ما كانوا يحملونه من الذهب والفضة والحلي والجواهر, والتي تقدر قيمتها بنحو ثلاثين ألف دينار. ولم يترك لهم الملك الصليبي سوى خمسمائة دينار. ومع أن الملك اعترف بالأمان الموقع من قبله ولكنه رفض الالتزام به. حقيقة لقد فرح أسامة بوصول أسرته إلى دمشق بسلام, ولكن ما أحزنه أشد الحزن في هذه الواقعة ليس غدر الملك الصليبي بأهله وانتزاعه كل ما كان بحوزتهم فحسب, وإنما نهب هذا الملك لمكتبة أسامة التي كانت تضم نحو أربعة آلاف مجلد من الكتب الفاخرة.كما يروي أسامة واقعة أخرى تؤكد ما انطوت عليه أخلاق الصليبيين من غدر ونكث بالعهود, وخلاصتها أن أمير إنطاكية الصليبي, واسمه تانكريد, كان قد أُعجب إعجابا شديدا بمهارة أحد الفرسان المسلمين, واسمه حسنون, في سباق للخيل جرى أمامه; وأكرمه غاية الإكرام. وحاول حسنون الإفادة من إعجاب تانكريد به فطلب منه أن يعطيه أمانا بأن يطلق سراحه إذا وقع يوما ما أسيرا بيده, فأعطاه ما طلب. وشاءت الأقدار أن يقع حسنون بعد سنة أسيرا بيد هذا الأمير الصليبي. ولكن الأخير لم يف بوعده, بل عندما أراد رجاله قلع عينه اليسرى قال لهم تانكريد: (اقلعوا عينه اليمنى حتى إذا حمل الترس استترت عينه اليسرى فلا يبقى يبصر شيئا, فقلعوا عينه اليمنى كما أمرهم).

وينقل أسامة وقائع أخرى تكشف جانبا آخر من الانحطاط الأخلاقي في المجتمع الصليبي, وهو انعدام (النخوة والغيرة) عند الصليبيين. ويقول أسامة في هذا الصدد (يمشي الرجل منهم وامرأته في الطريق فيلقاه رجل آخر فيأخذ امرأته منه ويعتزل بها ويتحدث معها, والزوج واقف ينتظر فراغها من الحديث مع ذلك الرجل, فإذا طال الأمر يتركها مع المتحدث ويمضي). ويروي أسامة واقعة أخرى جرت في مدينة نابلس,فحواها أن صليبيا عاد إلى بيته فوجد صليبيا آخر نائما فيه! وكان رد فعله أنه قال للرجل الغريب (وحق ديني إن عدت فعلت كذا تخاصمت أنا وأنت). ويعلق أسامة على ذلك بقوله (وكان هذا نكيره ومبلغ غيرته على زوجته). كما يذكر أسامة واقعة أخرى, نقلا عن رجل, اسمه سالم, كان يعمل عند والده, ثم فتح حمّاما في معرة النعمان, مفادها أن أحد الصليبيين أحضر زوجته إلى الحمام, وهو خاص بالرجال...!

تعصب الصليبيين لبني جنسهم

ويشير أسامة إلى ظاهرة أخرى كانت تسود المجتمع الصليبي في بلاد الشام, وهي تعصب الصليبيين إلى بني جنسهم ودينهم, ويروي الكثير من الوقائع التي تؤكد ذلك; منها أن أهل شيزر كانوا قد أسروا عددا من الصليبيين, وكان نصيب والده منهم بعض الجواري; وتخير إحداهن, لجمالها وشبابها, وبعث بها إلى صديقه الأمير شهاب صاحب قلعة جعبر. فتزوجها الأخير وأنجبت له ولدا أسماه (بدران), فجعله وليا للعهد. وعند وفاة شهاب تولى ابنه بدران الإمارة, وغدت أمه (الصليبية الأصل) هي الآمرة الناهية فيها. ولكن سرعان ما هربت من القلعة سرا إلى بلدة (سروج) وهي إذ ذاك بيد الصليبيين; فتزوجت فيها بصليبي يعمل إسكافيا; في حين أن ابنها أمير بقلعة جعبر!!, أي آثرت ابن جلدتها الإسكافي على البقاء إلى جانب ابنها الأمير بدران. كما يروي أسامة عددا من الوقائع التي تثبت تعصب الصليبيين لدينهم, منها,مثلا, أن شابًا صليبيًا اسمه راؤول كان قد وقع أسيرا بيد المسلمين أثناء إحدى غارات الصليبيين على شيزر, ووصل هذا الشاب إلى دار والده مرشد, وسرعان ما اعتنق الإسلام وأخذ يواظب على الصلاة والصيام وغير ذلك من الواجبات الدينية. ثم زوجه الأمير مرشد بامرأة مسلمة تقية, ودفع له تكاليف الزواج والسكن, ورزق منها ولدين, وعندما بلغ الولدان الخامسة أو السادسة من العمر هرب الأب مصطحبا معه زوجه وولديه من شيزر إلى أفاميه التي كانت تحت حكم الصليبيين, حيث تنصَّر ثانية وارتد عن الإسلام !

ويحدثنا أسامة عن انتشار ظاهرتي القرصنة والمتاجرة بالأسرى المسلمين, في المجتمع الصليبي, فيروي أن أحد القراصنة الصليبيين, واسمه وليام, كان قد خرج في مركب له يغزو في البحر المتوسط, فاستولى على مركب يحمل نحو أربعمائة من الحجاج المسلمين المغاربة, ومن ثم عرضهم للبيع في أسواق بيت المقدس. واشترى أسامة عددا منهم, كما اشترى عددا آخر للأمير معين الدين أنر. كما يشير أسامة إلى أن الصليبيين في الشام اعتادوا بيع الأسرى المسلمين الذين كانوا يقعون في أيديهم أثناء المعارك أو يختطفونهم أثناء غاراتهم المفاجئة على المدن والقرى الإسلامية المجاورة لهم. وكان الصليبيون ينتهزون فرصة زيارة بعض الأمراء المسلمين إلى بلاط الملوك والأمراء الصليبيين ليعرضوا عليهم هؤلاء الأسرى المسلمين. ويقول أسامة في هذا الصددفكنت أشتري من سهّل الله خلاصه).

مكانة الفرسان عند الصليبيين

ويكشف أسامة بن منقذ عما كانت تحظى به طبقة الفرسان في المجتمع الصليبي من مكانة واحترام, ويبين أن الفرسان الصليبيين كانوا يقومون بدورٍ متميزٍ لا في الدفاع عن المملكة والإمارات الصليبية فحسب وإنما في إدارة الدولة أيضا, فهم أصحاب الرأي والمشورة فيها, وهم أصحاب القضاء والحكم. ويؤكد أسامة هذه الحقيقة بما يرويه من وقائع, منها ما جرى معه شخصيا عندما كان يعيش في بلاط البوريين في دمشق, حيث رفع شكوى إلى فولك الخامس,ملك بيت المقدس الصليبي, على حاكم بانياس الصليبي, فحواها أن الأخير كان قد سلب قطعان غنم للمسلمين في موسم ولادة الغنم (فولدت وماتت أولادها وردها علينا بعد أن أتلفها). فطلب الملك الصليبي من نحو ستة من الفرسان الصليبيين النظر في هذه الشكوى. وبالفعل اجتمع هؤلاء وتشاوروا, ثم اتفق رأيهم على الحكم, وعادوا إلى مجلس الملك وقالوا لهقد حكمنا على صاحب بانياس أن يدفع غرامة مقابل ما أتلف من غنمهم). فأمر الملك أن ينفذ قرار الحكم. وبالفعل تسلم أسامة من صاحب بانياس مبلغا قدره (400) دينار تعويضا لأصحاب الغنم. ويُعقب أسامة على هذه الواقعة بقوله إن الحكم الذي يصدره الفرسان الصليبيون هو حكم قطعي, حتى أنه لا يحق لأية شخصية صليبية, بمن في ذلك الملك نفسه, أن تنقض قرار محكمة الفرسان. كما يشير أسامة بن منقذ إلى أن ما كانت تتمتع به طبقة الفرسان من احترام في المجتمع الصليبي قد تجلى أيضا في احترام الصليبيين لطبقة الفرسان المسلمين, وفي العلاقات الودية التي كانت تقوم, في أيام السلم, بين الفرسان الصليبيين والفرسان المسلمين, فهواياتهم, كالصيد والقنص وسباق الخيل, كانت متشابهة, وحماستهم وشجاعتهم في الحرب والقتال كانت متقاربة. وكان أسامة نفسه يرتبط بعلاقات وثيقة وعميقة مع بعض الفرسان الصليبيين, وبخاصة مع فرسان المعبد (الداوية). ويعترف أسامة بما قاله له الملك الصليبي فولك الخامس, عندما التقاه لأول مرة, حيث قال له بالحرفوحق ديني لقد فرحت البارحة فرحا عظيما عندما قالوا لي إنك فارس عظيم).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.7areef.net
medo




المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 09/06/2008
العمر : 37
الموقع : www.7areef.net

المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي   المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي I_icon_minitimeالأحد يونيو 22, 2008 2:18 pm

أسامة يعجب بشجاعة الفرسان

لم يخف أسامة إعجابه ببعض سمات المجتمع الصليبي, فقد أُعجب, مثلا, بشجاعة الصليبيين, بل يكاد يعتبرها السمة الوحيدة التي تستحق الاحترام في حياتهم. ويقول في هذا المعنى (والإفرنج ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة). ويعرض أسامة الكثير من الوقائع التي تؤكد هذه الحقيقة, منها أن أسامة نفسه كان قد هُزم مع رفيق له أمام أحد الصليبيين بالقرب من حصن أفاميه. ومما حزّ في نفس أسامة كثيرا أن هذا الصليبي كان يقاتلهما وهو رَاجِلٌ, في حين كان ورفيقه يقاتلان وكل منهما يمتطي صهوة جواده. كما يذكر أسامة أن الفرسان الصليبيين القادمين من إنطاكية قد هزموا أربعة من الفرسان المسلمين بالقرب من شيزر. يعلق أسامة على هذه الواقعة بالقول إن هؤلاء الأخيرين غدوا موضع سخرية من أهل شيزر, وهذا ما دفعهم لأن يصبحوا في المعارك التالية مع الصليبيين من أشجع الفرسان.

إعجاب الصليبيين بالحضارة العربية الإسلامية

ولعل من أهم ما ورد في مذكرات أسامة من وقائع هي تلك التي تظهر إعجاب الصليبيين ببعض مظاهر الحضارة العربية الإسلامية وتأثرهم بها. فقد أعجب الصليبيون بنظام الفروسية العربية وبالفرسان العرب المسلمين. ولم يتردد فرسانهم في زيارة الفرسان العرب بغية التعرف عليهم وعلى تقاليدهم عن كثب. ويروي أسامة أن أمير أنطاكية الصليبي, وهو تانكريد, بعث إلى آل منقذ في شيزر كتابا مع أحد الفرسان الصليبيين يوصيهم فيه خيرا, ويقول فيه إن هذا الفارس لا يرغب إلا في التعرف على الفرسان العرب المسلمين. كما يروي أسامة قصة مفادها أنه اشترك مع عمه في معركة ضد الصليبيين ; ودار قتال فيها تشيب له الولدان. وأظهر أسامة بطولات خارقة. ثم عاد مع من بقي سالما إلى شيزر. وفي سكون الليل استدعاه عمه. فحضر, فوجد عنده فارسا من الصليبيين فقال له عمه (هذا فارس أعجبه اليوم قتالك, فجاء يهنئك بموقفك ويبدي إعجابه من طعناتك وشجاعتك), وكان هذا بمنزلة وسام في الشجاعة تلقاه أسامة من فارس صليبي. كما أُعجب الفرسان الصليبيون بالخيول العربية الأصيلة, وكان أمراؤهم يبعثون في طلبها من بني منقذ, أحيانا, للاشتراك في حفلات السباق التي كانت تجرى تحت رعايتهم. كما كان بعض الأمراء الصليبيين يصر على الحصول على الخيول العربية كفدية لإطلاق سراح بعض الأسرى المسلمين, والدليل على ذلك ما حدث مع الفارس حسنون, حيث لم يطلق الأمير الصليبي تانكريد سراحه إلا بعد أن حصل على فدية اشتملت على مبلغ كبير من المال وحصان من أجود الخيول العربية تبرع به الأمير مرشد بن علي.

كما يبين أسامة أن الصليبين دهشوا من نظافة العرب المسلمين, ونظام حماماتهم العامة, بحيث لم يكتف هؤلاء الصليبيون بالتردد عليها واستخدامها, بل كانوا يحضرون زوجاتهم وبناتهم للاغتسال فيها حتى ولو كانت مخصصة للرجال. وقد أكد أسامة هذه الحقيقة بما ذكره من وقائع جرت في أحد حمامات معرة النعمان ومدينة صور.

ويكشف أسامة عن تأثر المجتمع الصليبي ببعض العادات والتقاليد العربية الإسلامية, فيروي,مثلا, أنه بعث صديقا له بمهمة إلى إنطاكية التي كانت تحكم من الصليبيين آنذاك. وخلال وجود هذا المبعوث المسلم فيها دعي إلى تناول الطعام في منزل أحد الفرسان الصليبيين الذين كانوا قد جاءوا إلى الشام في الحملة الصليبية الأولى. وأقام هذا الفارس الصليبي لضيفه المسلم (مائدة حسنة وطعاما في غاية النظافة والجودة). ولكن سرعان ما لاحظ الصليبي أن الضيف المسلم متردد في تناول الطعام خشية أن يكون في الطعام لحم خنزير, فقال له الفارس الصليبي في الحال: (كل, فأنا ما آكل من طعام الإفرنج, ولي طباخات مصريات ما آكل إلا من طبيخهنّ, ولا يدخل داري لحم خنزير). وعندئذٍ تناول الضيف المسلم الطعام.

ولم يقف تأثر المجتمع الصليبي بالحضارة العربية الإسلامية عند المظاهر المادية وإنما امتدّ إلى طباع الصليبيين, فيوضح أسامة أن المجتمع الصليبي في عصره كان ينقسم إلى فئتين, الأولى: تتألف من الصليبيين القدامى, الذين جاءوا في الحملة الصليبية الأولى (1095-1099) أو في أعقابها مباشرة واستقروا في بلاد الشام وتأثروا بحضارتها, والثانية: تتألف من الصليبيين الجدد الذين جاءوا بعد ذلك بسنوات طويلة. ويوضح أسامة أن هناك فروقا مهمة بين الصليبيين القدامى والجدد, من حيث الفكر والسلوك, فالقدامى يتسم فكرهم بالاعتدال وسلوكهم بالمرونة,في حين أن فكر الجدد يتميز بالتطرف وسلوكهم بالقسوة والحماقة, وهذا يعود, كما يقول أسامة, إلى تأثر القدامى بحضارة الشرق وتقاليده وطباعه. في حين أن الجدد جاءوا يحملون معهم بربرية الغرب وهمجيته. وفي هذا المعنى يقول أسامة (فكل من هو قريب العهد بالبلاد الإفرنجية (أي بلاد الغرب الأوربي) أجفى أخلاقا من الذين تبلدوا (أي توطنوا) وعاشروا المسلمين).

صفوة القول, إن القراءة الموضوعية لمذكرات أسامة بن منقذ, في كتابه (الاعتبار), تكشف أن المجتمع الصليبي كان مجتمعا متخلفا في معظم ميادين الحضارة, المادية منها والفكرية والأخلاقية. كان يمكن للصليبيين الإفادة من تراث المشرق العربي بشكل أكثر عمقا وشمولا, بل كان بإمكانهم أن يكونوا رسلا للحضارة العربية الإسلامية إلى الغرب ولكنهم أضاعوا هذه الفرصة بسبب بربريتهم, ونزعتهم العدوانية, وتعصبهم الديني والجنسي, وانشغالهم في السلب والنهب على امتداد قرنين من الزمن. حقيقة كان في المجتمع الصليبي الكثير الكثير من شجاعة الفرسان, ولكن كان فيه القليل القليل من أخلاق الفروسية وقيمها ومثلها.



المصدر: مجلة العربي عدد 555 فبراير 2005 والرابط http://www.alarabimag.com/arabi/Data.../Art_67787.XML
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.7areef.net
محمد عزت هلال
المدير العام



المساهمات : 273
تاريخ التسجيل : 05/06/2008
العمر : 37

المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي   المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي I_icon_minitimeالأحد يونيو 22, 2008 2:27 pm

موضوع جميل وجهد مشكور يا ميدو

وينقل لقسم الحملات الصليبية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://akomam.yoo7.com
الطبري




المساهمات : 87
تاريخ التسجيل : 23/06/2008

المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي   المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي I_icon_minitimeالخميس يونيو 26, 2008 2:17 pm

جامد ياعم ميدو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
medo




المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 09/06/2008
العمر : 37
الموقع : www.7areef.net

المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي   المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي I_icon_minitimeالأحد يونيو 29, 2008 2:51 pm

الله يخليكم يا جماعة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.7areef.net
ماءالعينين
Admin



المساهمات : 62
تاريخ التسجيل : 11/06/2008

المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي   المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي I_icon_minitimeالخميس يوليو 17, 2008 9:53 am

موضوع شيق
و يظهر الفارق بين العربو المسلمين و بين الصليبيين في ذ الك الوقت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المجتمع الصليبي في مذكرات أمير عربي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أخبار الأمم :: منتديات العصور الوسطي :: الحروب الصليبية-
انتقل الى: