بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر ، روى الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن بنان ، أن الشيخ المفيد رضي الله عنه قال : رأيت في النوم كأني قد اجتزت في بعض الطرق ، فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير . فقلت : ما هذا ؟ قالوا : هذه حلقة فيها رجل يقص . فقلت : من هو ؟ قالوا : عمر بن الخطاب . ففرقت الناس ، ودخلت الحلقة ، فإذا برجل يتكلم على الناس بشئ لم احصله ، فقطعت عليه الكلام ، وقلت : أيها الشيخ أخبرني، ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة في قول الله تعالى : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار ) ؟ . فقال : وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه في ستة مواضع :
الاول : أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله ، وذكرأبا بكر ، فجعله ثانيه ، فقال : " ثاني اثنين " .
الثاني : أنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما ، فقال : " إذ هما في الغار " .
الثالث : أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ، ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة ، فقال : " إذ يقول لصاحبه " .
الرابع : أنه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله عليه ، ورفقه . به ، لموضعه عنده ، فقال : " لا تحزن " .
الخامس : أنه أخبره أن الله معهما على حد سواء ، ناصرا لهما ، ودافعا عنهما ، فقال : " ان الله معنا " .
السادس : أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر ، لان الرسول لم تفارقه السكينة تط ، فقال : " فانزل الله سكينته عليه " .
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار ، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها . فقلت له : لقد [ حررت كلامك ] [ هذا ، واستقصيت البيان فيه ، وأتيت بما لا يقدر أحد أن يزيد عليه ] في الاحتجاج ، غير أني بعون الله وتوفيقه ، سأجعل ما أتيت به كرماد إشتدت به الريح في يوم عاصف .
أما قولك : أن الله تعالى ذكره وذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه، فهو اخبار عن العدد ، ولعمري لقد كانا إثنين ، [ فما في ذلك من الفضل ؟ ] ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا وكافرا إثنان ، [ كما نعلم أن مؤمنا ومؤمنا اثنان ]، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا [ تعتد به ] .
وأما قولك : أنه وصفهما بالاجتماع في المكان ، فانه كالاول ، لان المكان [ يجمع المؤمنين والكفار ] ، وأيضا فان مسجد النبي صلى الله عليه وآله أشرف من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار ، وفي ذلك قول الله تعالى : ( فما للذين كفررا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ) .
وأيضا فان سفينة نوح قد جمعت النبي ، والشيطان ، والبهيمة ، [ والانسان . فالمكان ] لا يدل على ما ادعيت من الفضيلة فبطل فضلان .وأما قولك : أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فانه أضعف من الفضلين الاولين ، لان الصحبة تجمع المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قول الله عزوجل : ( إذ قال لصاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ، ثم من نطفة ، ثم سواك رجلا " .
وأيضا فان اسم الصحبة يقع بين العاقل ولين البهيمة ، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم ، فقال الله تعالى : ( وما ارسلنا من رسول إلا بلسان قومه )وقد سموا الحمار صاحبا فقالوا :
ان الحمار مع الحمار مطية *** فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضا فقد سموا السيف صاحبا ، [ فقالوا في ذلك ]
جاورت هندا وذاك اجتنابي ***ومعي صاحب كتوم اللسان
يعني السيف . فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل وبين البهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأي حجة لصاحبك ؟ !
وأما قولك : أنه قال " لا تحزن " فانه وبال عليه ، ومنقصة ودليل على خطئه ، لان قوله : " لا تحزن " نهي ، وصورة النهي قول القائل : ( لا تفعل ) . فلا يخلو [ أن يكون ] الحزن وقع من أبى بكر [ على أحد وجهين :
إما ] طاعة أو معصية ، فان كان طاعة فالنبي لا ينهى [ عنها ، فدل على أنه ]معصية . [ فان انتهى وإلا فقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه ] .
وأما قولك أنه قال له : ( ان الله معنا ) فان النبي صلى الله عليه وآله أخبر أن الله معه خاصة ، وعبر عن نفسه بلفظ الجبع [ فقال : " معنا " كما عبر الله تعالى عن نفسه بلفظ الجمع ] فقال : ( إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " . وقد قيل [ أيضا في هذا ] : أن أبا بكر قال : يارسول الله حزني على اخيك علي بن أبي طالب ما كان منه . فقال له النبي : ( لا تحزن ان الله معنا ) . أي : معي ومع أخي علي ابن أبي طالب .
وأما قولك: أن السكينة نزلت على أبي بكر فانه [ كفر بحت ] ، لان الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله تعالى : ( فانزل سكينته عليه وايده بجنود لم تروها ) فان كان ابو بكر هو صاحب السكينه فهو صاحب الجنود ، وهذا إخراج النبي عليه السلام من النبوة ، على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان خيرا له ، لان الله تعالى أنزل السكينة على النبي عليه السلام في موضعين ، وكان معه قوم مؤمنون ، فشركهم فيها ، فقال في موضع : ( ثم أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها )
[ وفي موضع آخر ] : ( فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى " . ولما كان في [ هذا اليوم ] خصه وحده بالسكينة ، فقال : ( فانزل سكينته عليه ) . فلو كان معه في الموضع مؤمن لشركه معه في السكينة ، كما شركه من قبله من المؤمنين ، فدل باخراجه من السكينة على خروجه من الايمان.
[ قال الشيخ المفيد رحمه الله ] فلم يحر [ عمر بن الخطاب ] جوابا ، وتفرق الناس ، واستيقظت .
تم المنام ولله الحمد والمنة ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله .